بقلم: خضر رسلان
منذ بداية التصعيد المتواصل بين تل أبيب وطهران، تحاول إسرائيل نقل معادلة "التهديد الوجودي" من الداخل الإسرائيلي إلى الداخل الإيراني، في محاولة لجرّ طهران إلى المربع نفسه الذي دخلته إسرائيل عقب عملية "طوفان الأقصى"، والتي غيّرت فعليًا عقيدتها القتالية. غير أن الواقع الميداني والإعلامي والمؤسساتي الإيراني، يفنّد هذه المقاربة الإسرائيلية، ويؤكد أن طهران تُدير المشهد بحنكة ورباطة جأش لافتة، رغم طابع الضربات وخطورتها..
رغم الضجيج الدعائي، تتفق العديد من التقييمات المحايدة على أن الضربات الإسرائيلية لن تستطع تحقق أهدافها. فلا هي شلّت هيكل القيادة العسكرية الإيرانية، ولا أصابت العلماء النوويين بالشكل الذي يعطّل البرنامج، ولا دمّرت المنشآت الحيوية بالحجم الذي كانت تطمح إليه تل أبيب. الضربات، رغم قسوتها، بدت وكأنها محاولة لإظهار القوة أكثر منها نهجًا استراتيجيًا فعّالًا. ومع ذلك، لم تتفاعل طهران بانفعال أو بطريقة استعراضية.
السلوك الإيراني اتسم بربط دقيق بين القرار السياسي والعسكري والإعلامي. فمنذ اللحظة الأولى، ظهر انسجام بين مختلف المؤسسات؛ حيث أصدرت القيادة العليا بيانات واضحة وسريعة، وحافظ الحرس الثوري والجيش على جاهزية هادئة، وتعاملت هيئة الطاقة الذرية بمهنية عالية، كما حضر الفريق المفاوض ووزارة الخارجية بقوة في المشهد الدولي. بالإضافة إلى ذلك، كان الحضور الشعبي في الشارع رسالة داخلية وخارجية بأن الدولة لم تهتز.
الإعلام الإيراني الرسمي ابتعد عن الفوضى والارتجال، وقدم مشهدًا متماسكًا يعكس التوجيه المباشر من مجلس الأمن القومي، مما يدل على وجود مركز قيادة إعلامي مرتبط بالقرار السياسي. لم يُسجل إنكار أو تهوين أو مبالغة، بل خرجت المعلومات إلى الرأي العام ضمن خطاب محسوب حافظ على توازن الرواية الداخلية والخارجية.
رغم محاولات البعض إسقاط تجربتي غزة ولبنان على الوضع الإيراني، فإن خصوصية الدولة الإيرانية من حيث البنية والمؤسسات والقدرات تفرض قراءة مغايرة. إيران ليست كيانًا هشًّا، بل دولة تملك أدوات الردع، ومقومات المناورة، وبنية سياسية قادرة على امتصاص الصدمات وإدارة الأزمات.
في المقابل، بينما تجهد إسرائيل لفرض سردية هشاشة إيران، تُثبت الوقائع عكس ذلك. طهران تظهر كقوة هادئة، تحسن إدارة المعركة، وتتحكم في المشهد الإعلامي والدبلوماسي والعسكري، دون انهيار أو تهويل، مما يربك الخطاب الإسرائيلي.